ومضة من رحلة المعراج الكفاحية .. محمد الجائفي
U3F1ZWV6ZTQzMzI1OTcwNTYyMDc1X0ZyZWUyNzMzMzc2ODY2NDU4Ng==
مواضيع نشرناها

ومضة من رحلة المعراج الكفاحية .. محمد الجائفي



 ومضة من رحلة المعراج الكفاحية مع القائد الشهيد/اللواء الركن عدنان الحمادي


عقيد ـ محمد الجائفي

***

 الكتابة عن شهيد بحجم القائد اللواء ركن عدنان الحمادي ليست بالأمر الهين.

لا تدري من أين ستبدأ الكتابة عن القائد الشهيد.

أمن اللحظة الأولى التي تعرفت عليه... ؟

أو من اللحظة التي قال لنا أنه "سيخوض المعركة المقدسة ضد المليشيات الإنقلابية، فمن شاء أن يقاتل وهو يعلم أنه سوف يستشهد في سبيل الدفاع عن كرامة الوطن فليبقى، ومن كان خائفا، ويريد أن يغادر بسلاحه فليغادر حتى لا يخذل زملاءه أثناء خوض المعاركة، ومن يفكر أنه سيبقى وسطنا ويخوننا لصالح العدو فعليه أن يدرك أننا سنعرفه ولن نتهاون معه"، فكنت واحداً من الضباط الذين قرروا خوض المعركة معه حتى آخر قطرة دم، وآخر نفس....فهل أكتب من هذه اللحظة التاريخية التي كان القائد الشهيد يشبه من شارك فيها كمن شاركوا بمعركة بدر الكبرى من حيث الشجاعة والتضحية بصرف النظر عن نتيجة معركة المطار.... هل أكتب ما يجب أن أكتبه عن القائد أمام الذكرى التأبينية السنوية الأولى لاستشهاده عن مشاركتنا تحت قيادته هذه المعركة في المطار القديم...؟

أو أبدأ الكتابة عنه من الصفات، والسجايا الكثيرة التي شكلت شخصيته الكاريزما، وجعلته ليس فحسب مجرد قائد عسكري فذ، وإنما زعيم وطني سبق آوانه بكثير من الزمن.

إن الكتابة عن هذا الزعيم الوطني الذي كان جسراً وجدانياً يربط بين الوطنيين في هذا البلد فلا تشعر معه بأنك غريب عنه أو عن الوسط الذي يعيش فيه بل تشعر أنك مثله وأنه مثلك، وأنك إبن قريته كما أنه هو ابن قريتك.

إن الكتابة عن هذا القائد عفواً عن هذا الزعيم ليست مستحيلة وإنما صعبة، وفيها مجازفة كبيرة، ولكي تقوى على تلك المجازفة فلابد من تفرغ لمدة طويلة جدا تعتكف خلالها على الكتابة عن مشوار حياتك معه.

ثمان سنوات بينها سنة وبضع شهور انقطاع هي الفترة التي تلت خروجنا من معسكر المطار في أبريل 2015 حتى نهاية العام 2016 حيث استدعاني بالوصول إلى عنده لأكون ضمن قوة اللواء الذي أعاد تجميعه بعد خروجه من تعز للحجرية.

وعلى مدى سنوات ثلاث من العمل معه توطدت علاقتنا أكثر فأكثر حتى أنه هيئ لي كل الظروف للعمل معه دون أية هموم ومخاوف على الأسرة التي تركتها هناك خلف، وفوق وبين الجبال في مديرية همدان بمحافظة صنعاء فوفر لي مسكناً بقريته يافق كي أنقل أسرتي إليه، وهو ما حدث فعلاً.

فقد أتيت بالأسرة، وأقمنا مع أسرة القائد العقيد علي النقيب بقرية القائد فصارت العلاقة أكثر من كونها علاقة عمل بل توطدت إلى علاقة إخوة وصداقة أسرية متينة تمظهرت خلالها صفات القائد الاجتماعية، والأخلاقية، والإنسانية، والوطنية على نحو أكثر فأكثر.

فمن أين أبدأ....الكتابة عن قائدي، وأخي، وأبي، وصديقي، وزميلي، ورفيقي الشهيد عدنان الحمادي.

لكي أكتب عنه كما أشرت سابقا سأحتاج لفراغ طويل أوثق فيه معراج الرحلة فوق بساط الشرف الباقي للعسكرية الوطنية اليمنية الذي امتطيناه معا حتى لحظات الفراق المريرة.

ولأن مثل ذلك الفراغ لم يأت بعد، ناهيك عن أنه حتى وإن جاء الوقت المناسب لتفريغ مخزون الذاكرة عن رحلتي مع القائد فلا أعتقد حتى في مثل هكذا حالة أني سأقوى على كتابة كل التفاصيل.

إن التفاصيل في حياة القائد سواء التي حدثت معي أو مع آخرين كثيرة، وكبيرة ولن يستطيع أحد أن يحصيها كلها.

وهذا الطرح ليس للتهرب عن الكتابة، وإنما من قبيل الخوف من أن ننسى تلك التفاصيل المهمة.

لهذا ليست هذه المقالة إلا هواجساً تحلق داخل أفياء العقل، وتسري في الروح، وتهاجم النفس التي ظاهرها السكون، ولكن باطنها الوحشة المتأججة بفعل الرحيل إلى داخل الذاكرة التي تلوح فيها المواقف مع القائد مثل لمحات البروق.

هذه المقالة ليست سوى هواجس تائهة مثل أمواج لا قرار لها، و كلها تتلاطم حسرة، وغبنا على رحيل إنسان كان لنا أكثر من قائد، وأكثر من أب، وأكثر من أخ وصديق.

***

هاهي ذاكرتي ترحل بي إلى سنة 2012  عقب تخرجي من الكلية الحربية حيث تم توزيعي إلى اللواء 35 مدرع في محافظة الضالع.

هأنذا ألج مكتب قائد اللواء العميد ركن علوي الميدمة لتسليم مذكرة التوزيع "الإرسالية"، وهاهو مدير مكتب القائد يستقبلني عقيد ركن فارع الطول، منتصب القامة، ذو صوت رجولي فيه جرس الصدق، والرجولة، والشموخ، والطيبة، والإخلاص، والبشاشة، والاهتمام بكل شئ فيك وبموضوعك.

إنه العقيد ركن عدنان الحمادي كان يستقبلني بكل تلك الصفات، وزاد اهتمامه بي حينما لاحظ أني متخصص بنفس تخصصه سلاح الدروع.

***

تنقضي مدة بسيطة فيتعين قائداً للكتيبة 64 دروع، ومباشرة بعدها ينتقل اللواء إلى محافظه تعز، وتتوزع كل من الكتيبة 61،  والكتيبة 64 إلى معسكر لبوزة.

كنت حينها قائداً لسرية في الكتيبة 61 إلى جانب قائد شرطة المعسكر، وكان القائد الشهيد قائداً للكتيبة 64 ، قائداً لمعسكر لبوزة.

***

لاحقاً جاءت توجيهات للحمادي بضرورة إرسال سرية إلى مديرية المخاء لمكافحة عمليات التهريب.

وقع اختياره علي، وكلفني بقيادة سرية الأفراد التي ستتجه إلى المخاء.

واستمريت هناك إلى أن بدات المليشيات الإنقلابية تقتحم المحافظات.

وعندما دخلت مدينة تعز انتقلت تلقائياً إلى معسكر المطار القديم، وشاركت بعملية طرد قائد اللواء منصور معجير البرطي.

 ***

  تم استدعاء أفراد اللواء من جميع الكتائب.

أتذكر أن بعض ضباط اللواء القدامى ذوو النزعة الوطنية تواصلوا فيما بينهم واتفقوا على أن يكون الحمادي قائداً للواء.

وكان هذا قبل أيام من صدور قرار تعيينه قائدا للواء.

وعندما دخل الحمادي اللواء حدث شجارا بينه، وبين الضباط المتعاونين مع الانقلابيين.

انتهت تلك الشجارات بحسمها لصالح الحمادي بسبب رفضه لكل أشكال وأساليب الحيادية، وشروعه بتوجبهنا إلى الاستعداد لخوض المعركة.

وخضنا تلك معركة المطار القديم تحت قيادته حتى أخر لحظة غادرنا فيها معسكر المطار فاتجه كل واحد منا حيث اتجه.

***

 صحيح أننا افترقنا بعد خروجنا من معسكر المطار لكن بقينا على تواصل عبر الهاتف.

 وكما أشرت سابقاً أنه طلب مني إنزال الأسرة من صنعاء إلى هنا بالحجرية.

 وعندما قام بتنظيم أفراد اللواء بشكل علمي منظم داخل كتائب عسكرية أصدر قرارًا بتعييني قائدا للكتيبة السابعة.

ونفذت الكتيبة مهامها عسكرية قتالية بجبهة الصلو إلى جانب مهام أخرى كلما اقتضت الضرورة.

 ولن أنسى موقفه معي عندما تعرضت لإصابة خلال واحدة من المعارك في جبهة الصلو.

يومها تعرضت لإصابة خطيرة بقذيفة هاون أثناء المعارك، وكنت حينها أسكن في بيت القائد الحمادي نفسه، وكأننا أسرة واحدة.

وقفت أسرته إلى جانب أسرتي أثناء الإصابة التي نجوت بفضل الله منها.

وووووو.

حاولت الاسترسال بسرد المواقف والأحداث فلم أقوى وخانتني مشاعري.

لم أقوى على مواصلة الإستمرار في الكتابة.

ربما كما أشرت سابقاً أن الكتابة عن رحلة المعراج الكفاحية، والرفاقية العسكرية، والإنسانية مع القائد ستحتاج لوقت تكون فيها عواطفنا حياله قد هدأت وصار في مقدورنا أن نكتب ما يجب أن يكتب عن هذا القائد الذي لم أرى قائدا عسكرياً ولا رجلاً سياسياً، ولا إنساناً أخلاقيا وطيبة، وكرماً يشبهه.

إلى في علاه أدعو الله أن يتقبله بين خيار الشهداء، وأن يرزقنا على دربه خير الجزاء.


عقيد/محمدالجائفي

اركان حرب اللواء 35 مدرع

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

بحث هذه المدونة الإلكترونية

المتابعون